التفكير الإيجابي (1)
غالباً ما نرى أو نسمع هذه العبارة في أيامنا هذه ، إما أن نراها غلافاً لكتاب أو عنوان حلقة تلفزيونية أو مقالاً مكتوبا ، ودائما ما نجد من يخبرنا أن علينا أن نفكر بطريقة ايجابية وأن نبرمج عقولنا على التفكير الايجابي والابتعاد عن التفكير السلبي ولكن كل هذا الزخم من الأحاديث بشتى أنواعها جعلني أقدم محاولة وضع نهج عملي من خلال الخبرات العملية والتدريبية كي نصل جميعا إلى التفكير الايجابي ، وسنحاول هنا بإذن الله أن نقوم بذلك واضعين في أذهاننا فكرة مهمة جداً ألا وهي أن التفكير الإيجابي ليس أداة نحملها في حقيبتنا أو جسراً نعبره أو سلم نرتقيه وإنما هو المشروب الذهني والروحي الذي يصاحبنا أينما كنا في رحلتنا في هذه الحياة وفي هذا المقال ومقالات متبوعة له سأقوم بتوضيح ماهية التفكير الإيجابي وكيف اكتسابه في حياتنا اليومية.
إن التفكير الايجابي في مفهومه الحقيقي والواقعي ليس معناه أن يقوم الشخص بعمل جلسات تفكيرية في الاتجاه الايجابي أو محاولة إعمال العقل بطريقة ايجابية فحسب وإنما التفكير الايجابي عملياً متمثل في ردود أفعالنا بطريقة معينة تعود علينا بالنفع دون الضرر ، فكلنا جميعاً منذ أن نستيقظ حتى ننام نتعرض للعديد من المواقف الحياتية نسبة منها قدرية تأتي رغم إرادتنا والباقي منها هو مجرد مجموعة من ردود الأفعال الشخصية التي نتأثر بها نحن ومن حولنا سواء بطريق مباشر أو طريق غير مباشر، فمثلاً كلنا نتعرض للزحام في الطرق أو تأخر القطارات أو الطائرات عن مواعيدها وهذه أحداث لا دخل لنا بها ولكننا نتأثر بها بطريقة أو بأخرى وفى الغالب الأعم تكون ردود أفعالنا كالتالي :
التأفف من زحمة الطرق ولعن الحكومات التي لا توفر الطرق السريعة أو إشارات المرور المنتظمة وغيره ولكن عندي هنا مفاجأة عزيزي القارئ ، ففي يومنا الحاضر كل بلاد العالم مزدحمة من أقصى العالم إلى أدناه وكل البشر يعانون من هذه المشكلة صباح مساء وعلى رغم ردود الأفعال السلبية الصادرة من كل شخص إلا أن المشكلة مازالت وستظل قائمة .
الطوابير الطويلة -السيرة كما تسمى في بعض دول الخليج- في البنوك، الهيئات الحكومية، المخابز، عند سداد الفواتير، منافذ الصراف الآلي وغالباً ما تحدث مشاحنات بين الأفراد وبعضهم وردود أفعال سلبية تجاه ما يحدث.
مشكلة مواعيد القطارات، الطائرات، وسيلة المواصلات التي تتحرك متأخرة عن موعدها ويكون رد الفعل المشحون من طرفنا هو الامتعاض والتأفف والتوتر والنظر عدة مرات إلى ساعة اليد أو الاصطدام مع محصل التذاكر "الكمسري" أو مضيفة الطائرة أو الاشتباك مع غيري من الأشخاص -الواقعين تحت نفس الضغط العصبي الناجم عن نفس المشكلة- بسبب الاختلاف حول أماكن الجلوس أو الجلوس بجوار النوافذ أو التدخين في الأماكن الممنوعة أو إلى غيره من هذه الاشتباكات التي تحدث نتيجة انفلات الأعصاب وهي التي نعبر عنها اصطلاحاً "التصرف بطريقة سلبية".
الأمثلة السابقة تتحدث عن مواقف حياتية يكمن فيها مشكلة واحدة في حقيقتها ألا وهي إهدار الوقت لدي الأشخاص والتعطل عن الإنجاز وهى مواقف مفروضة علينا ونواجهها في العديد من الأيام وعلى الرغم من كل ردود الأفعال من طرفنا فلا شيء يتغير، إذن عزيزي القاري يأتي دور التفكير الإيجابي هنا في التفاعل مع الأزمات بطريقة مرنة وإيجابية، فليس معنى أن الزحام مشكلة عالمية أن نستسلم لها ولكن علينا التعامل بطريقة تحمل أكبر قدر من المرونة مثل حسن استغلال الوقت المتاح في تنفيذ العديد من الأشياء التى تساعد على تأكل وقتنا في أحيان أخرى مثل :
إجراء بعض المكالمات التليفونية من الهاتف النقال "المحمول" التي أجلنا إجرائها سابقاً حتى لا تهدر وقتنا.
قراءة صحيفة أو كتيب مع أسفي على زمن قل فيه من يقرأ.
استغلال الفرصة في التعرف على من يقف أمامي أو خلفي في الطابور أو من يجلس إلى جواري ونحن في هذه الأيام نفتقد إلى هذه النقطة ألا وهي التواصل مع غيرنا ، فعلى رغم من كبر هذا العالم واتساعه وهذه المليارات من البشر إلا أننا قلما نتواصل بطريقة فعالة.
استغلال الوقت في الاستغفار والتسبيح أو قراءة القرآن أو الأدعية.
تدوين بعض الأفكار التي قد ترد إلى أذهاننا أو بعض الأشياء التي تذكرناها بعد نسيان... الخ.
المهم أن هناك العديد من الأشياء التي يمكن عملها أفضل من التذمر والانفعال ، ومما لاشك فيه أن فعل شيء إيجابي أفضل بكثير من زيادة الضغوط المحيطة حولنا بالانفعال السلبي ويأتي كل هذا بالتدريب فهذه المقترحات ليست ضرباً من الخيال أو أسطرها هنا بأعصاب هادئة فحسب، وإنما هي طريقة ايجابية لتدريب العقل الباطن على كيفية جعل رد فعلي غير مؤذي لي شخصيا ولا لغيري ، فما ذكر سابقاً هو على سبيل المثال لا الحصر للعديد من المواقف نتعرض لها بطريقة أو بأخرى في حياتنا اليومية ، فكلنا نتعرض لنفس المؤثر ولكن تختلف الاستجابة له حسب طريقة تفكير كل منا ، فالمسافة ما بين المؤثر والاستجابة هي اختيار كلنا منا في موقفه وطريقة رد فعله ، فكل منا له أخطاء في مواقف مماثلة وليس التفكير الإيجابي أن أكتشف خطأ ما في موقف سابق ولكن ألا أكرر هذا الخطأ أو غيره أو أن أتحكم في رد فعلي حتى تأتي النتيجة بما أرغبه وليس العكس.
من ثم فلنفهم جميعاً مدى احتياجنا إلى التدريب المستمر على التفكير الإيجابي بما ينجم عنه من تصرفات ناجحة وفعالة والإحجام عن التصرفات الغير مسئولة ولندرك أن تطبيقات التفكير الإيجابي هي خطوات عملية نحتاج فيها أن نرى المواقف بعين الحقيقة وأن نحسن الاستماع إلى صوتنا الداخلي ونتلمس جميعا المشاعر الرائعة لدي كل شخص لديه المرونة الكافية في التعامل مع أي موقف حياتي وهنا فقط تعلو راية المحترفون .
إن المواقف التي تحتاج إلى التفكير الإيجابي وجعله منهج حياة هي مواقف كثيرة ومختلفة قد يعجز هذا المقال الافتتاحي لهذا الموضوع أن يتناولها ولكن بعون سيتم تناولها واستكمال الحديث في التفكير الإيجابي في مقالات قادمة إن شاء الله تعالي ولكن منذ لحظة قراءتك لهذه المقال عزيزي القارئ فلتبدأ في جلسة قصيرة مع النفس ليس للتعرف على أخطاء الماضي فحسب ولكن تذكير أنفسنا أن دائما هناك بديل ثالث يمكننا اختياره غير السكون أو الامتعاض ولنبحر سويا في بحر الحياة متوكلين على الله واثقين في أنفسنا أن نستطيع بدل من لعن الظلام أن نشعل شمعة يكون في ضوئها رمز للتفاؤل والتغيير للأفضل .
رشفات من عصير الحياة :