موضوع: من سلسلة - فلتكن إيجابي - ( أسباب علو الهمة ) الأربعاء 27 أبريل 2011 - 0:21
بسم الله.. والحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.. وعلى آله وصحبه ومن والاه :
من سلسلة فلتكن إيجابي ( أسباب علو الهمة )
إخوتي الأفاضل : لكل منا همة تسكن قلبه.. وتيسر دربه.. ويخطط على منوالها مستقبله.. والهمم تتفاوت بين البشر... فشتان بين همة في الثرى وأخرى في الثريا..
فالفارق كبير بين من يتربى و يعيش على شهوات البطون والفروج ومتابعة الموضات والرقصات والأغنيات والأفلام والأدب الغريزي وأدب الجنس وتسريحات الشعر... وبين من تربى و يعيش على العلم النافع والعمل الصالح .. وكل مقدمة لها نتيجة وكل عقيدة لها تأثير.. و الفارق كبير بين من يعيش حياة اللعب ويتخذ الفلاسفة والملاحدة أسوة وقدوة .. وبين من إتخذ الله ربا والإسلام ديناً ومحمد - صلى الله عليه وسلم – نبياًو رسولاً ... وكل إناء بما فيه ينضح ..
وعلو الهمة مبتغى كل إنسان ناجح يتطلع إلى حياة أفضل بيد أن شروطها هنا يراد بها وجه الله تعالى.. وأن تكون عونا على البذل والعطاء لهذا الدين..
وإذا علمت .. أخي الفاضل .. أختي الفاضلة .. أن دنو همتك فيه ضياع لكنوز كثيرة داخلك وطاقات عظيمة تتمتع بها .. فإنك سوف تبدأ في التأمل لكيفية الخلاص و النجاة من هذه الغمة .. و أدركت أن الذين يفكرون في كيف سيكون مستوى تفكيرهم بعد عشرين سنة ..وكيف ستكون ثقافتهم.. وكيف هي علاقاتهم ونجاحاتهم .. سوف يعملون على التخطيط للنجاح منذ اليوم الأول..وإذا كان هذا التفكر وُلِد حرصاً عند الكثيرين والكثيرات وهو لا يتعدى هموم ونجاحات فترة زمنية مؤقتة وهي هذه الحياة الدنيا القصيرة.. فكيف بمن يفكر في حياته الخالدة في الآخرة؟
إذن فعلو الهمة أيها الاخوة شيء لا يحسنه ولا يتوفر إلا لأكابر الناس الذين جعل الله التوفيق حليفهم .. و هو ميزان يوزن به الناس عامة .. قال ابن القيم رحمه الله ( إنما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور )
و أصحاب الهمم العالية هم أقدر الناس على الوفاء بتكاليف الجنة وتجاوز المكاره التي حفت بها
فإن الله تعالى يقول ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )
وقال ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ...
إذن الحديث عن علو الهمة علاج ناجح لتلك الأنفس الفاترة.. والعزائم الخائرة ..والطاقات المهددة .. والعقول المعطلة.. وقد قيل ( المرء حيث يجعل نفسه ، إن ارتفع بها ارتفعت ، وإن قصُر بها اتضعت)
و معلوم أن هناك أسباباً كثيرة لإنحطاط الهمم وفي الوقت ذاته تعد مانعاً لعلوها .. ولا بد لك .. أخي .. أختي .. من معرفة تلك الموانع التي تقف في طريق سيرك إلى الهمة العالية والمطالب السامية.. و عملاً بقولهم: إستقصاء ومعرفة أسباب الداء قبل وصف الدواء... و جدتني أستعرض معك بعض هذه العوائق لعلو الهمة .. قبل ذِكر أساب علوها :
أسباب انحطاط الهمم :
. الوهن : وهو كما فسره رسول الله صلى الله عليه و سلم ( حب الدنيا وكراهية الموت )
أما حب الدنيا فرأس كل خطيئة ، وهو أصل التثاقل إلى الأرض وسبب الإنغماس في الترف ، وقد مرّ بشر الحافي على بئر فقال له صاحبه : أنا عطشان ، فقال : البئر الاخرى ، فمرّ عليها فقال له : الأخرى ، ثم قال : كذا تُقطع الدنيا .
أما كراهية الموت فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها ، مع تخريبه الآخرة ، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب .
حب السلامة يثني عزم صاحبه *** عن المعالي ويغري المرء بالكسل
الفتور :عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إن لكل عمل شرة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أهتدى ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك )
والشره : نشاط وقوة ، والفترة : ضعف وفتور .
لكلٍ إلى شأوِ العلا حركات *** ولكن عزيز في الرجال ثبات
إهدار الوقت الثمين : أي في الزيارات والسمر وفضول المباحات ، قال صلى الله عليه و سلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ، الصحة و الفراغ )
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
قال الفضيل بن عياض ( أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة ) ،وقال بعض السلف إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب ) ، وكان عثمان الباقلاني دائم الذكر لله فقال إني وقت الإفطار أُحس بروحي كأنها تخرج لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر )
العجز والكسل : وهما اللذان اكثر الرسول صلى الله عليه و سلم من التعوذ منها ، وقد يعذر العاجز لعدم قدرته ، بخلاف الكسول الذي يتثاقل مع قدرته ، قال تعالى : ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين )
وقد ترى الرجل موهوباً ونابغة فيأتي الكسل فيخذل همته ويمحق موهبته ويشل طاقته .
ا لغفلة : قال عمر رضي الله عنه: ( الراحة للرجال غفلة ) ، وسئل ابن الجوزي : أيجوز أن أُفسح لنفسي في مباح الملاهي . . ؟ فقال : ( عند نفسك من الغفلة ما يكفيها ) ،
قال أ.محمد أحمد الراشد حفظه الله معلقاً : ( فإن اعترض معترض بمثل كلام ابن القيم حيث يقول ( لابد من سِنة الغفلة ، ورقاد الغفلة ، ولكن كن خفيف النوم )، فالمراد التقليل من الراحة إلى أدنى ما يكفي الجسم ، كل حسب صحته وظروفه الخاصة ، فالمؤمن في هذا الزمان أشد حاجة للإنتباه ومعالجة قلبه وتفتيشه مما كان عليه المسلمون من قبل ، ذلك أنهم كانوا يعيشون في محيط إسلامي تسوده الفضائل ويسوده التواصي بالحق ، والرذائل في ستر وتواري عن عيون العلماء وسيوف الأمراء ، أما الآن فإن المدنية الحديثة جعلت كفر جميع مذاهب الكفار مسموعاً مبصراً بواسطة الإذاعات والتلفزة والصحف ، وجعلت إلقاءات الشيطان قريبة من القلوب ، وبذلك زاد احتمال تأثر المؤمن من حيث لا يدري ولا يشعر ، فضلاً عن ارتفاع حكم الإسلام عن الأرض الإسلامية التي يعيش فيها
التسويف والتمني :وهما صفة بليد الحس ، عديم المبالاة ، الذي كلما همت نفسه بخير إما يعيقها ( بسوف ) حتى يفجأه الموت فيقول : ( ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب ) ، وإما يركب بها بحر التمني وهو بحر لا ساحل له ، يدمن ركوبه مفاليس العالم ، كما قيل :
إذا تمنيت بتّ الليل مغتبطاً *** إن المنى رأس مال المفاليس
والمنى هي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية ، ليس لها همة تنال بها الحقائق بل اعتاضت بالأماني الدنيّة ، وقد قال المتنبي منزهاً نفسه عن الاستغراق في الأحلام ، مبيناً كيف ألف الحقائق واعتاد ركوب الأخطار :
وما كنت ممن أدرك الملك بالمنى *** ولكـن بأيامٍ أشـبن النـواصيـا
لبست لها كدر العجـاج كأنما *** ترى غير صافياً أن ترى الجو صافيا
مرافقة سافل الهمة من طلاب الدنيا : الذي كلما هممت بالنهوض جذبك إليها، وغرك قائلاً : ( عليك نوم طويل فرقد ) فحذارِ من مجالسة المثبطين من أهل التبطل والتعطل واللهو والعبث ، “ فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري ، ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيف ، فما ظنك بالنفوس البشرية “
ولا تجلس إلى أهل الدنيا فإن خلائق السفهاء تعدي
العشق :لأن صاحبه يحصر همته في حصول معشوقه ، فيلهيه عن حب الله ورسوله ( بئس للظالمين بدلا ) ، إن عالي الهمة لا يستأسر للعشق الذي يمنع القرار ويسلب المنام ويحدث الجنون ، فكم من عاشق أتلف في معشوقه ماله ونفسه ودينه ودنياه .
الإنحراف في فهم العقيدة :لا سيما مسألة القضاء والقدر وعدم تحقيق التوكل على الله عزوجل .
الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد : واستغراق الجهد في التوسع في تحقيق مطالبهم ،نظراً لقوله صلى الله عليه و سلم ( وإن لأهلك عليك حقا ) مع الغفلة عن قوله صلى الله عليه و سلم : ( وإن لربك عليك حقا ) ، وقد عدَّ القرآن الأهل والأولاد أعداءً للمؤمن إذا حالوا بينه وبين الطاعة .
المناهج التربوية والتعليمية ال