الصلاة وأهميتها وشروطها وثمراتها
1- تعريف الصلاة:
أصل الكلمة موجود في لغة العرب ومعناها عند العرب: الدعاء، ومن هذا المعنى قول الأعشى:
لها حارس لا يبرحُ الدهرَ بَيْتَها ... وإن ذُبحَتْ صلى عليها وزَمْزَما
ثم استُعمل لفظ (الصلاة) في الشرع المطهر ويُقصد بها ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة، بشروطها المعروفة، وصفاتها، وأنواعها [المشروعة].
وأما بيان وجه الصلة فيهما بين المعنيين، أقصد المعنى الأول المنقول عنه (الدعاء) والمعنى الثانى المنقول إليه ( ذات الركوع ...).(1) أقول وجه الصلة بينهما أن عبادة الصلاة تشتمل على جميع أنواع الدعاء وهي: دعاء العبادة، ودعاء الثناء، ودعاء المسألة . فاتضح بذلك وجه الصلة بين المعنى الشرعي وبين المعنى اللغوي للفظ (الصلاة).
2- أهمية الصلاة:
الصلاة من أركان الإسلام التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" رواه البخاري و مسلم. ومعنى كونها ركن من أركان الإسلام أي لا يقوم إسلام الشخص إلا بها كما قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة" أخرجه الإمام مسلم.
والصلاة عمود الإسلام إذا قام العمود قام البناء، وإذا لم يقم العمود فلا بناء .
والصلاة خير الأعمال كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".
وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بها في القرآن الكريم فقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). [الروم:31]. وقال(فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ). [التوبة:11].
والصلاة من العبادات التي اتفقت عليها شرائع أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام وكانوا يحافظون عليها، والصالحون من الأمة كما قال الله تبارك وتعالى فى سورة الأنبياء عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب – عليهم السلام -: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). [الأنبياء:73].وجاء في سورة مريم قول عيسى – عليه السلام - عن نفسه: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ). [مريم:31]. وجاء في سورة آل عمران (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ). [آل عمران:43].
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "فاعلم أنه لا ريب أن الصلاة قرة عيون المحبين ولذة أرواح الموحدين وبستان العابدين ولذة نفوس الخاشعين ومحك أحوال الصادقين وميزان أحوال السالكين وهى رحمة الله المهداة إلى عباده المؤمنين. هداهم إليها وعرفهم بها وأهداها إليهم على يد رسوله الصادق الأمين رحمة بهم وإكرامًا لهم لينالوا بها شرف كرامته والفوز بقربه لا لحاجة منه إليهم بل منة منه وتفضلا عليهم وتعبد بها قلوبهم وجوارحهم جميعًا.
وجعل حظ القلب العارف منها أكمل الحظين وأعظمهما وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه وانصرافه حال القيام له بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده وتكميله حقوق عبوديته ظاهرا وباطنا حتى تقع على الوجه الذي يرضاه ربه سبحانه".(2)
وتتجلى لنا أهمية الصلاة أكثر وأكثر إذا عرفنا أنها من أعظم ما يظهر فيه خشوعُ الأبدان لله تعالى من العبادات، ونحن نعلم أن الله مدح في كتابه المخبتين له والمنكسرين لعظمته والخاضعين أهل الخشوع.
قال الإمام بن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى -: "شرع الله لعباده من أنواع العبادات ما يَظهر فيه خشوع الأبدان الناشئ عن خشوع القلب وذله وانكساره. ومن أعظم ما يظهر فيه خشوع الأبدان لله تعالى من العبادات الصلاة وقد مدح الله تعالى الخاشعين فيها بقوله عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ). [المؤمنون:2،1].
وقال منصور عن مجاهد – رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم). [الفتح:29]. قال: الخشوع في الصلاة. (3)
ولذلك فلا نعجب إذا عرفنا أن الفقهاء اختلفوا فى وجوب إعادة الصلاة التي غلب على المصلي فيها عدم الخشوع. (4)
وترك الصلاة عن عمد أمر خطير يجعل تاركها فى عداد المجرمين كما حكى الله تعالى عن المجرمين أصحاب النار أن تركهم للصلاة من الأسباب التي صيرتهم مجرمين فقال تبارك وتعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ{46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ). [المدثر:38-48].
3- شروط الصلاة:
شروط الصلاة ما يتوقف عليه صحة الصلاة من أمور خارجة عن ماهيتها، لأن الشرط في اللغة العلامة، كما قال الله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) أي علاماتها، والشرط في الشرع في اصطلاح أهل الأصول: ما يلزم عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.
وأهم شروط الصلاة الوقت، أي دخول وقتها كما قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا). [النساء:103].
ومن شروط الصلاة أيضاً: ستر العورة، لقوله تعالى: { {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). [الأعراف:31].
ومن شروط الصلاة: الطهارة، وهي نوعان: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس.
ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة، لقوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ). [البقرة:144].
ومن شروط الصلاة: النية، والنية محلها القلب.(5)
4- ثمرة الصلاة:
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "ولما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة وأشباهها من داخل فيه (أى جوفه) وخارج عنه . اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيئ له مأدُبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخُلع (جمع خُلعة وهى خيار المال .ثيل سميت بذلك لأنها تخلع قلب الناظر إليها) والعطايا. ودعاه إليها كل يوم خمس مرات وجعل في كل لون من ألوان تلك المأدُبة (كوهى كل طعام صُنع لدعوة أو عُرس) لذة ومنفعة ومصلحة ووقارا لهذا العبد الذى قد دعاه إلى تلك المأدبة ليست في اللون الآخر لتكمل لذة عبده في كل لون من ألوان العبودية ويكرمه بكل صنف من أصناف الكرامة ويكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مكفرا لمذموم كان يكرهه بإزائه (أي بمقابله) ويثيبه عليه نورًا خاصًا".
وقال أيضًا: "فإن الصلاة نورٌ وقوة في قلبه وجوارحه وسعة في رزقه ومحبة في العباد له وإن الملائكة لتفرح وكذلك بقاع الأرض وجبالها وأشجارها وأنهارها تكون له نورًا وثوابًا خاصًا يوم لقائه". (6) ولله در الإمام بن القيم على هذا الكلام القيم الذي يأخذ بمجامع القلوب ويأسرها.
وللصلاة تأثير فى صرف النفس عن الأخلاق الرذيلة والفحشاء والمنكر والتمتع بالمتعة الرخيصة، ليس لشيء آخر بعد كلمة التوحيد ولذلك يقول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).[العنكبوت:45].(7)
والإكثار من صلاة النوافل سبب كبير فى تقوية محبة الله تعالى وجلب رحمته واصطفائه .. لذلك أشار النبي على من طلب منه المرافقة في الجنة بتكثير النوافل وكثرة السجود فقد روى مسلم عن أبى فراس ربيعة بن كعيب الأسلمي خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتيه بوضوئه وحاجته . فقال: "سلني". فقلت أسألك مرافقتك فى الجنة ! "فقال أو غير ذلك". قلت هو ذاك ! قال: "فاعني على نفسك بكثرة السجود". (
والصلاة من أسباب ذهاب الحزن عن الإنسان ومصدر للسعادة التي يتلهف لها كل الخلق فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول لمؤذنه بلال رضى الله عنه ( أرحنا بها (أي بالصلاة) يا بلال.
والصلاة طريق لسعادة الدارين في الدنيا والآخرة، وفي جنات النعيم...(9)
فحرى بعبادة هذا شرفها ومنزلتها في الإسلام أن تلقى من المسلم الاهتمام اللائق بها. والحمد لله رب العالمين.