الانترنت لغة العصر، ولا يمكن فصله عن أهم اللغات العالمية الورافة.. للتصفح.. وللاطلال على الدنيا من عدة نوافذ دون خوف.. أو وجل.. أو رقيب أو حسيب من البشر.. فمنهم من يدلي بدلوه.. ويرسل عصارة أفكاره شعراً أو نثراً.. أو أدباً وعلماً لينفع به الآخرين.. ومنهم من يجرد قلمه لالتقاط كل حرف جديد يلوح في الأفق أو تجود به المسامات الناعمة للشبكة العنكبوتية. الكل ينهل من هذا المعين العلمي المترامي الأطراف.. ولكن يظل سؤال قوي عريض يفرض نفسه بإلحاح.. هو هل استفاد العرب من هذه التقنية الهائلة بما يفيد تقدم الأمة ورفعتها؟ أم اقتصر الأمر على التسلية، والامتاع والمؤانسة والهاء النفس عما هو مفيد ونافع؟!
التحقيق التالي يكشف لنا كيفية تعاطي المتصفح العربي مع هذه الشبكة الزاخرة بالمعلومات والبحوث والعلوم.
ثقافة ووعي
الدكتور سعيد عبدالرحمن الحارثي رئيس قسم الطفيليات الطبية بكلية الطب جامعة أم القرى يقول إن الانترنت يحمل لنا الكثير من الفوائد والخدمات، وتنعدم الجوانب السلبية مع وعي المستخدم، ففي المجال الطبي مثلاً لها اسهام في تبادل المعلومات والخبرات والبحوث، ويمكن الاطلاع علي كل ما هو جديد في العالم للاسهام في تقدم الطب.
وتحتوي الشبكة على العديد من المواقع الزاخرة بالعلوم والبحوث، والدوريات العلمية، وأضاف د. الحارث بأنه من الأفضل أن تبادر الجامعات بالاشتراك في هذه المحركات.. ليتسنى للباحث الحصول على المادة بشكل أسهل.. كما أن الشبكة توفر للطالب الجامعي مردوداً علمياً كبيراً، أما ما يثار حول عدم الفاذدة من الانترنت فهذا يجانب الحقيقة لأن التقدم العلمي المذهل يحتاج إلى ثقافة ووعي ولا شك أن من يبحث عن التسلية وحسب.. يفتقد ذلك.
فرص لا محدودة
أما رانية سليمان سلامة مؤسسة شبكة عربيات ورئيسة تحرير مجلة «عربيات الالكترونية» فتقول: ان الشبكة الدولية للمعلومات فتحت مجالات واسعة للعلم والعلم والتثقيف والترفيه.
تضيف: كوني فتاة سعودية أعمل في هذا المجال ألمس من خلال تجربتي الفرص اللامحدودة التي وفرتها الانترنت خاصة في مجال عمل المرأة.. بما فيها ربة المنزل التي تنمي ثقافتها من خلال هذه الشبكة ومعلوماتها المتدفقة.
ونحن نحتاج إلى درجة من الوعي والفهم كي نجني الفائدة القصوى من ايجابيات الانترن، ولابراز الوجه المشرف لهذه الثورة المعلوماتية الهائلة.
تطور ملحوظ
وتواصل رانية سلامة قائلة: ونلحظ تطوراً كبيراً ووعياً واضحاً في تعاطي المستخدم العربي للانترنت عما كان عليه في السنوات الماضية.. وعلى مستوى «عربيات» تشير الاحصائيات إلى أن الزوار في العام الأول تركز اهتمامهم على الأقسام الترفيهية.. بينما نجدهم اليوم يتحولون بشكل كبير إلى الأقسام الجادة في خطوة ايجابية تدل على تنامي الوعي.
أما منى الأحمد «مجلة عربيات» فتقول ان الانترنت كأي وسيلة إعلامية لها ايجابياتها وسلبياتها، فمثلاً نحن في «عربيات» نعمل كفريق عمل نسائي لإبراز الهوية العربية، وما وصلت إليه المرأة العربية من تقدم معرفي وفكري.. وسيكون للانترنت مستقبل مشرق لخدمة المجتمع العربي، فقط نحن بحاجة إلى التوجيه الذي يبدأ مع سنوات الدراسة الأولى.
غرف المحادثات
وهناك وجهة نظر أخرى تختلف عن سابقاتها إذ يقول عبدالله الفواز أحد العاملين بشبكة نسيج السعودية وباحث في مجال الشبكات والتقنيات: من واقع خبرتي وبحثي في هذه الشبكة أرى أن المواطن العربي أو بالأحرى أغلبية المتصفحين «لدينا» لم يستفيدوا بصورة واسعة من هذه الفرص التي توفرها الشبكة.
وذلك بسبب غياب الوعي الكافي.. إذ الأغلبية تجهل كيف تستفيد من الكم الهائل للمعلومات المتدفقة إلى كل المكاتب والبيوت.. وبعض الذين يعتقدون أنهم يستخدمون الانترنت أما يمضون وقتهم في منتديات حوارية لا تسمن ولا تغني من جوع أو عرف للمحادثات مادتها أحاديث سمجة لا تعبر عن طموح حقيقي أو بعد نظر.. ويشير تقرير لليونسكو أن 4% من مستخدمي الانترنت من العرب قامو بشكل من أشكال التجارة الالكترونية.. وللبعض محاولات جيدة في الدعم والبحث.. ولكن تظل الحاجة ملحة لدعم المراكز البحثية والتثقيف للاستخدام والاستثمار بما يجلب الفائدة والمعرفة.
انكماش وعزلة
الشبكة الدولية ايجابيات واضحة، وسلبيات لا تخطئتها العين.. هذا ما يخلص إليه الطالب زيادة صالح السلوم الذي يدرس بأمريكا في مجال الحاسب الآلي. إذ يرى أن هذه الثورة أحدثت تطوراً كبيراً في الحياة البشرية.. وبرغم وجد سلبيات عديدة يعكسها بعض المستخدمين إلا أن الطابع العام يظل ايجابياً بحجم الفوائد التي جناها الباحثون عن العلم والمعرفة من المعلومات المتوافرة عبر منافذ الشبكة.. ويرى السلوم ان الانترنت لعبت دوراً مهماً في نشر اللغة العربية.. وزيادة الوعي الثقافي للمجتمع العربي.. أما الايجابيات فتنتج عادة عن غموض أو جهل بعض المستخدمين.. كما أسهمت الشبكة الدولية للمعلومات في ايجاد نوع من العزلة والانكماش لدى البعض إذ اكتفى بعض الناس بإرسال رسالة اليكترونية للتهنئة بالعيد مثلاً.. لكن تظل ايجابيات الانترنت هي الأكثر خاصة في مجال العلوم والبحوث.
اختصار الزمن
ومن الرواد والباحثين في ثنايا مواقع الشبكة هاجد الذيابي الذي قال إن الانترنت من أحدث الوسائل التي اختصرت الزمن ونقلت البشرية إلى عالم جديد من العلم والمعرفة.. والمتفحص لمواد الانترنت يدرك أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تمكنت من ضبط محتوياتها بشكل كبير أدى إلى التوازن بين الايجابيات والسلبيات حيث حجبت وأغلقت العديد من المواقع التي ترى أنها غير ذات فائدة.. ويقول الذيابي لقد استفدت من الانترنت علمياً وثقافياً.. ومعرفياً.. وأتمنى أن تقدم الجهات الحكومية والخاصة خدماتها ومعلوماتها عبر هذه الشبكة لما فيه مصلحة الجميع.
تنمية المواهب
الشعراء والأدباء والموهوبون يتسأنسون بالشبكة العنكبوتية ومحتوياتها الثرة لزيادة حصيلتهم وصقل مواهبهم واثراء تجاربهم.. وتقول الشاعرة «عشق الليل» شاعرة ومعلمة: حسب تجربتي مع الانترنت لمست فوائد عديدة.. وقد استفدت منه كمعلمة وشاعرة وفي البحث والمراجع وفي كافة الجوانب المعرفية.. حيث توجد مواقع عربية عديدة تعنى بالشعر والأدب لها فوائد في زيادة التحصيل العلمي والثقافي وتنمية المواهب.
آثار مرمرة
علي عكس الاعتقادات السالفة تقول نسايم النفيعي طالبة جامعية: أنه لا يخفى لما لهذه الشبكة العملاقة من أثر سلبي على بناء مجتمع محافظ برغم ما تحمله من ايجابيات.
فالكل يدرك كيف استطاعت القنوات الفضائية والانترنت من احداث خلل في بناء المجتمع العربي.. وذلك في حالة اساءة الاستخدام.. وهذه أشياء غير خافية على أحد.. وهذا لا يلغي حقيقة ان شرائح عديدة من المجتمع استخدمت هذه التقنية في زيادة مداركها المعرفية.. ووظفتها في البحوث العلمية والتحاليل الاخبارية.. والحوارات الجادة والمفيدة في بعض المنتديات.. اضافة إلى تبادل المعلومات والخبرات.. فالعيب ليس في التقنية بحد ذاتها إنما في من يستخدمها.. في من يحول النعمة إلى نقمة، فهي باختصار سلاح ذو حدين.
الخلاصة
مما سبق يتضح وجود شرائح عديدة في المجتمع استطاعت أن تستفيد من هذه التقنية العصرية المتطورة، مع عدم اغفال هؤلاء إلى وجود جوانب سلبية تتعلق بسوء الاستخدام.. ويظل الاتفاق قائماً حول العرضة الثمينة التي اتاحتها شبكة الانترنت.. كنافذة للعلم بأحدث وسائله ولم يكن العرب في غفلة من هذه السانحة بيد أن هناك من لم يحسن التقدير ويحاكي العالم المتطور بلغة التكنولوجيا.. والاختلاف حول تقييم «النت» ناتجاً عن الاختلاف في الفهم والثقافة والنظرة إلى الحياة بشكل عام.