العقل الناضج والطريق إلى الثقافة ..
يقول الحق سبحانه [إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا] {المزمل:19}
فمن ذا الذى لا يريد إدراك نفسه فى عصر الفتن ويتخذ لربه سبيلا .. والعقل الناضج هو الذى يدرك أن العبادة قوامها العبادات لكن أساسها العلم الذى يجلب التقوى ..
هذا أول طريق العقل إلى الثقافة فلو لم يدرك الإنسان أن طريقه لله لن يتأتى إلا بالمعرفة الحقة والعلم الضرورى سيضل طريقه دونما شك ولو قضي دهره صائما قائما ..
لأن الثقافة إن كانت بالعصور القديمة ميزة وتكرمة ففي عصرنا الحالى ضرورة لا غنى عنها ..
فقديما كان العلماء قائمون على حدود الله يحرسونها يقظين لكل صاحب فتنة ولكننا الآن فى عهد صار أهون الناس على الناس فيه هم العلماء وضربت بينهم وبين الجماهير الحجب وشغلتهم السلطات بأرزاقهم بعد أن تعمدوا تركهم لا يجدون قوت يومهم وانفرد بالإعلام أصحاب الأوهام .. فلو سار المرء فى حياته دون حصن ثقافي وقع فى أقرب شرك منصوب له
وبداية الطريق لا تكون إلا بجلسة منفردة مع النفس أولا يسأل فيها كل واحد عقله بسؤال منطقي أين يبتغي الوصول بالضبط ؟!
هل الحياة بشكلها الحالى تمثل أمرا مقبولا والإجابة بلا القاطعة ومن ثم لابد من التفكير الجدى أن الطموح للمعرفة ليس لأن يقال عن الإنسان أنه مثقف وليس لكى نكتب وننشر على الناس ونستمع لآهات الإعجاب وليس لأى غرض كان .. بل يجب أن تكون المعرفة للمعرفة والثقافة للثقافة ..
هذا ما يجب على الإنسان أن يتخذه يقينا دامغا قبل أن يسأل وقبل أن يفكر من أين أو كيف أبدأ ..
وعندما يقرر البدء لابد أن يكون العقل ناضجا واعيا للخوض فى بحار المعرفة .. والنضج والوعى هو الذى يرسخ للمثقف أن يكون باحثا فيما بعد ويتوفر فى المرء عن طريق النظر إلى الكاتب قبل الكتاب والى الدليل قبل الإقتناع .. هذا بالطبع لا يتم تطبيقه على الثوابت التى اتفق عليها علماء كل علم
فمن كوارث الإنترنت بالذات كمصدر هام للثقافة
أن القارئ يطالع غرائب المعلومات والحقائق والموضوعات فيأخذها على عواهنها وهى كلام مرسل قد يكون ماسا بثابت فى الشريعة أو بحقيقة تاريخية هامة أو نحو ذلك
فالحل يكون بالنظر للكاتب هل أورد فى موضوعه التوثيق الكافي للمعلومة أم ذكرها منفردة فإن ذكرها منفردة فعلى القارئ المثقف أن يسأله عن مصدرها وإن لم يتوفر يبحث عنها القارئ نفسه ولا يأخذها أو يتعامل بها ما لم يستوثق من أهل علمها
أما إن الكاتب ثقة بشخصه ومتحدثا فى مجاله فلا بأس باكتساب المعلومة منه مباشرة وهؤلاء الكتاب هم المعروفة سمعتهم وهى خاصية سيكتسبها القارئ كلما قطع أشواطا فى القراءة وذلك عندما يدرك أعلام كل مجال
وهذا يعفي القارئ من الحماقة المنتشرة بين القراء والمثقفين وهى احتجاج بعضهم بمعارضات مجهولى الهوية أمام أقوال وجزم كبار المؤلفين والمحللين ..
مثلا .. كتب هيكل كتابه الشهير عن حرب الخليج المعروف بنفس الإسم والذى أثار ضجة معتادة تصاحب كتب الأستاذ عادة ولكن لأن الكتاب أتى هذه المرة معالجا حدثا معاصرا على خلاف المعتاد من هيكل فقد جاءت حقائق هيكل المعتادة وتحليلاته بالغة الصدمة والتأثير لأنها أتت بعد عام واحد من أحداث حرب الكويت عام 1991 م
وخرجت العديد من الأصوات المعارضة للكتاب واهتزت بعض المؤسسات الرسمية وحاولت تكذيب بعض معلومات الكتاب ووثائقه ..
وهذا الأمر ـ لمن يعرف هيكل ـ يُعد إجراء بالغ الخفة والطيش لأنك قد تختلف مع هيكل فى تحليله للمعلومات إلا أن ما يمكنك الطعن فيه هو معلوماته ومصادره التى لا تتأتى لبعض أجهزة المعلومات والمخابرات فى العالم ويكون أى كتاب لهيكل ملحقا به فصل أو أكثر كملحق وثائقي لا يضم إلا وثائق رسمية من دولها وجميع شهادات الساسة والمفكرين التى ترد فى كتب هيكل تكون منسوبة لأصحابها وهم على قيد الحياة .. ومن هذا المنطلق اكتسب هيكل مصداقيته المعروفة عالميا كواحد من أبرع عشرة محللين سياسيين فى العالم تؤخذ كلمتهم فى الشأن السياسي وهيكل هو العربي بل والشرقي الوحيد من بينهم
ولأن الساحة فى عالمنا لعربي تزدحم بمن هو ليس أهلا للقلم فقد خرج أحد الكتب طاعنا ومتهما هيكل بالتزوير وكان عنوان الكتاب يوحى بأن صاحبه قد أمسك بأدلة قاطعة تفضح زيف هيكل حيث كان الكتاب بعنوان { أوهام القوة والنصر عند هيكل }
وبتقليب صفحات الكتاب وجدته يحتوى على مقالات مجمعة لعدد من الكتاب الخصوم لهيكل مثل د. عبد العظيم رمضان معروفة كتاباته أنها ترد مرسلة وعبارة عن سرد أعمى خال من أى وثيقة أو دليل إن كتب شيئا عن الشأن الجارى ومع تلك المقالات بعض قصاصات الصحف الرسمية التى نشرت تكذيبات رسمية صادرة عن بعض الحكومات بشأن بعض المعلومات الواردة بكتاب هيكل
هناك من يقرأ مثل هذه الكتب الغير واضحة الملامح ويبنى عليها مواقفه .. لكن الأحرص يكتشف على الفور بمجرد النظر للكتاب أن عبد العظيم رمضان يتحدث وفقط بينما نحن بصدد وقائع محددة أوردها هيكل موثقة فأين دليلك المضاد ؟!
والتكذيبات التى نشرتها الصحف الرسمية منسوبة إلى حكومات رسمية كانت تكذيبات مرسلة ومعتادة فى مثل هذه المواقف تكون لإثبات موقف وحسب إلا أنها لا تملك نهائيا دحض حجة قائمة بدليل
وأمثلة هذه التكذيبات الشهيرة تمتلئ بها الصحف العربية كان آخرها عندما أصدرت الأهرام تكذيبا رسميا عن رياسة الجمهورية بشأن الحوار الذى أدلى به الرئيس مبارك لإحدى القنوات ونشرته الأهرام كما هو وكان الحديث محتويا على بعض التصريحات التى لم يشأ النظام أن تؤخذ عليه فأصدرت رياسة الجمهورية بيان التكذيب
وكأن الحوار المعلن السابق إذاعته على القناة الفضائية التى جرى الحوار على شاشتها قد اختفي أو أنه أصبح فى حكم الوهم ..
وغاية القصد أن العقل الناضج يجب عليه أن يستوعب المعلومات ويستوعب الاعتراضات ويزنها بميزان الذهب